أدلّة تناقض نفي إسرائيل مسؤوليتها في الهجوم على قافلة نازحين في غزة
زهرة القدسي
11/7/2023
-تمّ جمع وحفظ وتحليل مقاطع الفيديو والصور من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المنشورة يوم الهجوم وفي الأيام الثلاثة التي تلته وقد بلغ عدد المصادر التي تمّ استخدامها في التحقيق 32 مصدرًا بوسائط مختلفة.
تحديد تاريخ ووقت الهجوم من خلال عمليات البحث المتقدمة على "إكس" Invid، وهي أداة مفتوحة تستخرج التاريخ والوقت عن طريق الهندسة العكسية، ما يؤكد التوقيت المحلّي عند نشر أوّل منشور حول الهجوم، بالإضافة لأداة SunCalc وهي أداة مفتوحة تقوم بتحديد التوقيت بناءً على طول واتجاه الظل في موقع الهجوم والذي تطابقت نتائجهُ مع نتائج أول منشور نشر على موقع "إكس".
مطابقة ما نشره المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي من مواد مصوّرة أظهرت شاحنة بمقطورتين تأثرت بالهجوم، وكان هناك عدد من الجثث الملقاة في منطقة الهجوم بالإضافة إلى سيارة إسعاف متأثرة على جانب الطريق، في شارع صلاح الدين، وظهور عدد من السيارات وهي تحترق.
تحديد الموقع الجغرافي لشارع صلاح الدين من خلال البحث عن شارع صلاح الدين و الشارع رقم 10 بالإضافة لجسر وداي غزة في Open street Map، حيث تحتوي على بيانات أكثر دقة عن أسماء المناطق المحلية من Google maps وGoogle Earth، ثم تحديد نطاق بحث 4.6 كم حول المنطقة التي تعرّضت للهجوم والتعرّف على المعرّفات البصرية المميزة مثل المحال التجارية التي ظهرت في المحتوى المرئي ومقارنتها بصور الأقمار الصناعية.
تحديد هوية المسؤول المحتمل بناء على تحليل مسار الذخيرة وتحليل زوايا الاختراق في السيارات، كما يتّضح من موقع الضرر والأدلة على التأثير، وموقع السيارات المتواجدة في شارع صلاح الدين بالقرب من دوار الكويت ومعلومات السيطرة على المنطقة.
كان هذا التحقيق نتيجة لمراحل متعدّدة من تحليل المعلومات المتاحة مفتوحة المصدر والتي قدمت معلومات تتعلق بتاريخ ووقت ومكان الحادثة، إضافة إلى الذخائر التي يُزعم استخدامها والطرف الذي يُزعم أنه مسؤول عن الضربات والضرر الناتج. من خلال فحص جميع المعلومات المتاحة عن الضربات، يوفّر هذا التحقيق فهمًا للحادثة وكذلك الجناة المحتملين.
يشهد قطاع غزة هجمات مروّعة ينفّذها الجيش الإسرائيلي منذ بداية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، سبّبت خسائر بشرية هائلة ودمارًا غير مسبوق للبنى التحتية، وأدّت إلى مسح مناطق سكنية مأهولة بالكامل. ولم تسلم قوافل النازحين من تلك الهجمات، حيث تعرّضت إحداها لهجمات متعدّدة على طول شارع صلاح الدين بالقرب من دوار الكويت بعد ظهر يوم الجمعة 13 تشرين الأول 2023 أثناء الإخلاء نحو الجنوب بطلب من الجيش الإسرائيلي. وقد أصابت ثلاثة من تلك الهجمات على الأقل بشكل مباشر سيارات على طول الطريق محمّلة بالنازحين كما أصابت الشظايا شاحنة بمقطورتين تحملان نازحين. أدت الهجمات إلى مقتل 70 شخصًا وإصابة أكثر من 200 آخرين. وقد قدّم الجيش الإسرائيلي عبر ناطقه الرسمي سردية مضلّلة في محاولة لرفع المسؤولية عن إسرائيل في الهجوم، باستخدام مقطع فيديو لحادث آخر في موقع وتوقيت مختلفين لنفي مسؤوليته عن الحادثة.
ويعود الفيديو الذي عرضه الجيش الإسرائيلي لانفجار مصوّر على جسر وادي غزة يبعد عن موقع هجوم شارع صلاح الدين حوالي 4 كيلومترات. وعند تحليل الظلّ لمقطع الفيديو يبدو أنّه التُقط عند 14:59 بالتوقيت المحلي لمدينة غزة، بينما نُشر أوّل بلاغ عن حادثة وادي غزة عند الساعة 16:04 بالتوقيت المحلّي لمدينة غزة.
بالتدقيق في المعطيات التي لدينا عن الهجومين يمكن الجزم أنّ حادثة جسر وادي غزة تختلف تمامًا عن الهجمات المتعددة التي استهدفت شارع صلاح الدين بالقرب من دوار الكويت على قافلة نازحين. فاستخدام الفيديو خارج سياقه من قبل وسائل الإعلام ومنصات تدقيق الحقائق على نطاق واسع قادت إلى سوء فهم حول طبيعة الحادثتين، ونتيجة لذلك استخدم الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي تلك التحليلات في نفيه مسؤولية إسرائيل عن الهجوم.
قام "فريق نوى ميديا للتحقيقات مفتوحة المصدر" برصد وتحليل محتوى مفتوح المصدر مرتبط بالهجمات على قافلة النازحين في 13 تشرين الأوّل كما بتحليل الأحداث وسياقات المواد البصرية ذات الصلة، لنتوصّل إلى إعداد هذا التحقيق الذي يهدف إلى كشف ملابسات الهجوم ومحاولة تحديد الجهة المسؤولة عنه.
لقطات شاشة لصورة أقمار صناعية من "غوغل إيرث برو"، لشارع صلاح الدين "موضع التحقيق" المتأثر بعدة هجمات أصابت قافلة نازحين.
لقطة شاشة لصورة أقمار صناعية من "خرائط جوجل"، تظهر البعد بين موقع الحادثة عند جسر وادي غزة، وموقع حادثة صلاح الدين دوار الكويت.
أمر إخلاء
نشر حساب "الجيش الإسرائيلي" على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) منشورًا تحذيريًا لسكان شمال غزة في صباح 13 تشرين الأوّل 2023، يذكر فيه ضرورة إخلاء المدنيين في مدينة غزة لمنازلهم باتجاه الجنوب حفاظًا على سلامتهم وحمايتهم والانتقال إلى المنطقة الواقعة جنوب وادي غزة.
لقطة شاشة لإعلان الجيش الإسرائيلي في 13 تشرين الأول 2023، 8:50 صباحًا.
شارك أيضًا المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على صفحته على فيسبوك مساء اليوم نفسه 13 تشرين الأول 2023 تحديثًا لإعلان الإخلاء، مضيفًا عبارة "قمنا بمناشدتكم صباحًا لمغادرة مدينة غزة إلى منطقة جنوب وادي غزة، حفاظًا على سلامتكم. أودّ أن أبلغكم أنّ جيش الدفاع الإسرائيلي سيمتنع عن المس بالمسار المحدد في الخريطة حتى الساعة 20:00". كان هذا الإعلان الوحيد الموجود على الإنترنت الذي ورد به معلومات عن المسار المخصص لعمليات النزوح.
منشور أدرعي الذي يوضح أنّ طريق صلاح الدين طريق آمن للإخلاء من الشمال إلى جنوب وادي غزة منذ الصباح وحتى الساعة 8 مساء.
صورة من فيديو CBS Chicago لأحد المنشورات التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية في 13 تشرين الأوّل في غزة.
لقطة شاشة من موقع Liveuamap لخريطة مدينة غزة، الأزرق: منطقة إجلاء المدنيين من شمال غزة، الأسهم الحمراء: الاتجاه نحو الجنوب المفروض بالمدنيين النزوح إليه وفقًا للتعليمات. صورة ملتقطة في تشرين الأوّل 2023.
لقطة شاشة من موقع Liveuamap لخريطة مدينة غزة يظهر جزءًا من شارع صلاح الدين. الأسهم الحمراء: اتّجاه سير المدنيين نحو الجنوب عبر شارع صلاح الدين. أخذت الصورة في تشرين الأول 2023.
ماذا حدث
نشر مستخدم يحمل اسم The Joker على "إكس" في الساعة 15:15 بالتوقيت المحلي لـ غزّة عن قصف سيارة مرسيدس مليئة بالمدنيين في شارع صلاح الدين وسط القطاع عقب محاولتهم للخروج والتوجّه نحو الجنوب. كما نشر حساب طارق مصلح في الساعة 16:32 بالتوقيت المحلي لـ غزّة: "قصف سيارات قرب سوق السيارات بشارع صلاح الدين… الناس شاردة وقصفوهم". بالإضافة لحساب باسم نرمين الذي نشر تساؤلًا "شو بصير في حي الزيتون؟ أخبار عن مجازر" في 16:55. وقد كانت الحسابات الثلاثة بحسب تحليلنا هي أولى الحسابات التي نشرت عن الهجوم.
لقطة شاشة لمنشور طارق مصلح على فيسبوك.
لقطة شاشة لمنشور The Joker
لقطة شاشة لمنشور نرمين على إكس.
في الساعة 7:00 مساءً في اليوم نفسه جاء الإعلان الرسمي من المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني حول قصف الجيش الإسرائيلي عددًا من السيارات التي كانت تحمل نازحين متوجّهين نحو جنوب غزة. وأظهر فيديو نشرته وزارة الصحة الفلسطينية/ غزة سائق سيارة إسعاف وصفته بأنه "شاهد على مجزرة حقيقية"، وهو ينهار راكعًا على الأرض أثناء وصوله إلى المستشفى، ويتحدث إلى الكاميرا قائلًا "إنصحوا الناس تروّح ع بيوتا، قصفوا الناس اللي شاردة بشاحنات" أي تمّ قصف نازحين على متن شاحنات. ويتابع "قالوا للناس اشردوا (انزحوا) وقصفوهن" ويضيف أحد بجانبه أنّه تمّ قصف الشاحنات والإسعافات أيضًا.
الموقع الجغرافي: أين وقع الهجوم؟
من خلال التحليل ومطابقة المحتوى البصري لفيديوهات نشرها كلّ من وزارة الصحة الفلسطينية/غزة، والصحافي Ragıp Soylu، وأيضًا Local focus وفيديوهات أخرى على الإنترنت يمكن تحديد إحداثيات بعض الضربات الواضحة والتي وثق سقوطها، هجوم على مجموعة من السيارات خلف المقطورتين بجانب محطة أسليم للبترول على شارع صلاح الدين، بالقرب من دوار الكويت بمدينة غزة، تحديدًا عند إحداثية 31.483005, 34.444769.
وهجوم آخر بعد دقائق على بعد أمتار أصاب سيارة أمام محلات شركة دغمش للتجارة وتصليح الإطارات بجانب أطقم الإسعاف بعد وصولها عند إحداثية 31.483354, 34.445045. لا يمكن الجزم أنّهما الهجومان الوحيدان، إذ قد يكون عدد الهجمات أعلى من ذلك بكثير.