إرث حضاري تحت النار: كنيسة القديس برفيريوس في غزة

المنهجية

- جمع المعلومات: تمّ جمع وحفظ وتحليل مقاطع الفيديو والصور من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المنشورة يوم وقوع الهجمات وفي الأيام الثلاثة التي تلتها وقد بلغ عدد المصادر التي تمّ استخدامها في التحقيق ٤٦ مصدرًا بوسائط مختلفة

  • -التحقق الزمني: تمّ تحديد تاريخ ووقت الهجوم من خلال عمليات البحث المتقدّمة على موقع فيسبوك باستخدام أداة WhoPostedWhat، وعمليات البحث المتقدّم على موقع "إكس" وتلغرام والتنويع في استخدام محرّكات البحث على الإنترنت، إضافة إلى استخدام أداة Invid وهي أداة مفتوحة تستخرج التاريخ والوقت عن طريق الهندسة العكسية للتحقق من بعض المعلومات الواردة في التحقيق..

  • - التحقق من الموقع الجغرافي: تحديد الموقع الجغرافي لموقع الكنيسة من خلال البحث على موقع ويكيمابيا (Wikimapia) ، حيث يحتوي على بيانات أكثر دقة عن أسماء المناطق المحلية من Google maps وGoogle Earth، ثم تحديد المسجد العمري الكبير في حي الدرج على تلك الخرائط لتوضيح الخلط الشائع بين المسجدين.

  • - المقارنة: مطابقة ما نشره المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي من مواد مصوّرة التي أظهرت دمارًا قد حل بالكنيسة مع صور حديثة للمكان من الأقمار الصناعية لإضافة طبقة جديدة من التحقق من المواد المتداولة لبعض من الهجمات التي تم نقاشها.

كان هذا التحقيق نتيجة لمراحل متعدّدة من تحليل المعلومات المتوفّرة مفتوحة المصدر، والتي وفّرت بيانات حول تاريخ ووقت وموقع الحادثة ونفي ادعاءات الجيش الاسرائيلي حول طبيعة المبنى الذي تعرض للهجوم . على الرغم من ذلك، لم يتمكّن معدّ التحقيق من تحديد نوع الذخيرة المستخدمة بناءً على مراجعة كافة المعلومات المتاحة حول الاستهداف. يهدف هذا التحقيق إلى تقديم فهم أعمق للحادثة وتصحيح بعض الروايات المتعلّقة بها.

صور الدمار بعد الهجوم على كنيسة القديس برفيريوس بغزة

في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أفادت عديد من وسائل الإعلام المحلية ووكالات الأخبار الدولية عن وقوع هجوم على كنيسة القديس برفيريوس في حي الزيتون بالمدينة القديمة في غزة. تعرضت كنيسة القديس برفيريوس (الكنيسة الارثوذكسية اليونانية) لأضرار بسبب النزاع المستمر بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية.

كان المدنيون في الجزء الشمالي من قطاع غزة يستخدمون الكنيسة كمأوى، ليس فقط خلال النزاع المسلح الحالي الذي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن أيضا خلال نزاع غزة عام 2014، حيث فر نحو 2000 فلسطيني من القصف الإسرائيلي واحتموا بالكنيسة.

أفادت وسائل إعلام، مثل ديلي واير، عن ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن مركز القيادة والسيطرة التابع لحماس تعرض للهجوم، وأنه يقع قرب الكنيسة. نشر الجيش الإسرائيلي فيديو يُظهر الهجوم على أحد المباني.

حول الحادثة

ماذا حدث؟

لقطة من أول منشور عن الحادثة

في مساء 19 أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت لقطات بقايا الهجوم ومكان الهجوم. في اليوم التالي، ادعى ألكسيوس رئيس أساقفة كنيسة برفيريوس أن الهجوم وقع حوالي الساعة 08:00 مساء يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، مضيفاً أن المبنى الذي تعرض للهجوم هو جزء من مباني مكاتب الكنيسة.

أكدت الأخبار المنشورة في منصة X وقوع هجمات قرب مسجد كاتب الولاية في الليلة نفسها الساعة 08:38 مساء بالتوقيت المحلي.

كما صرح مسؤول فلسطيني سلامة معروف وهو رئيس المكتب الإعلامي للحكومة الفلسطينية، في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أن الجيش الإسرائيلي ارتكب "جريمة" استهدفت كنيسة القديس برفيريوس في غزة، مما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا.

تُظهر المشاهد الجوية لموقع الكنيسة المبنى المدمر الذي ظهر في التقارير الإعلامية. تضم مدينة غزة القديمة العديد من المواقع التاريخية الهامة، والتي تشمل كنيسة القديس برفيريوس ومسجد ولاية كاتب.

التحديد الجغرافي لموقع الكنيسة :

خريطة المنطقة التي تعرضت للهجوم وكنيسة القديس برفيريوس ومسجد كاتب الولاية مقابل بعضهما البعض. المجلة الطبعة الثانية.

من خلال مقارنة صور غوغل إيرث مع صور التقارير الإخبارية المحلية، تمكن فريقنا من تحديد موقع المبنى الذي تعرض للهجوم. هذا التصميم المعماري للطرق السياحية والأماكن المميزة في مدينة غزة القديمة ساعدنا في تحديد الموقع الدقيق للكنيسة. تم عرض المبنى بشكل خاطئ في الخرائط المتاحة في الإنترنت، مثل غوغل إيرث. فحصنا الخرائط والتقارير باللغة العربية قبل بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

علم الكنيسة باللونين الأحمر والأبيض علامة تمثيلية لتبعية المبنى للكنيسة الأرثوذكسية، ويشير إلى تبعية حرم كنيسة القديس برفيريوس في مدينة غزة إلى بطريركية القدس الأرثوذكسية. التحليل التالي للمبنى المتصل سيحدد موقع المبنى المدمر ويجري فحصاً بناءً على الأدلة المميزة الموجودة في الموقع.

صور تظهر المباني المتضررة وتبعيتها إلى كنيسة برفيريوس. المصدر: صور غوغل/محمد المصري. أعلى اليسار: صورة من وكالة الأناضول. موقع التدمير: تقرير نيويورك تايمز.

صور أقمار صناعية ولقطات من يوتيوب لمسجد كاتب الولاية وكنيسة القديس برفيريوس في غزة

موقع التأثير

لعب الطراز المعماري لمدينة غزة القديمة دوراً هاماً في تحقيقنا فيما يتعلق ببنية المجمع داخل مدينة غزة القديمة. هذا يفرض علينا كثيرا من التفكير في المعاهدات الدولية، مثل اتفاقية لاهاي وبروتوكولاتها لعام 1954، والمتعلقة بالمباني المحمية. تتشابه عديد من المباني بسبب فترة بنائها. مثلاً، أقواس خان الزيت والأقواس الموجودة على بوابة الكنيسة متشابهة. تشير الأدلة التاريخية إلى أن منطقة كاتب الولاية وخان الزيت، اللتين هُدمتا في ستينيات القرن الماضي، بُنيتا خلال القرن الرابع عشر، بحسب باحثين.

صور للمواقع الأثرية في مدينة غزة القديمة: خان الزيت- البلدة القديمة بغزة والكنيسة. فيسبوك، فيديو عرض كنسي

قدمت صور أعمال الحفر عدة تفاصيل مدفونة تحت الأنقاض ليتم التحقيق فيها للكشف عن مواصفات مختلفة للمبنى الذي تعرض للهجوم. ذكر الجيش الإسرائيلي أن الغارة الجوية هاجمت "مركز قيادة وسيطرة تابع لإرهابي حماس". يمكن رؤية نافذة ذات أنماط معينة بين الأنقاض. قمنا بتحليل أوجه التشابه بين الصورة (1) ودرع النافذة في الصورة (2). تُظهر الصور المجمعة (1-2) أدناه مقارنة مرئية لنمط نافذة المبنى ذات الأعمدة وتلك الموجودة في الموقع. ساعدت الصور (2) في تحقيقنا. تعني الأنماط المتشابهة أن المباني مترابطة وتم بناؤها في نفس الفترة الزمنية. يمكن القول هنا أنه من الصعب على جهات أخرى غير البطريركية المقدسة أن تمتلك أو تشتري أو تبني داخل مجمع الكنيسة.

صور لمباني مجمع الكنيسة التي تعرضت للهجوم

صور الأقمار الصناعية للمبنى الذي تأثر بالغارة الجوية

أكد المطران ألكسيوس، أسقف الكنيسة الأرثوذكسية، في مقابلة مع وكالة أنباء ميدل إيست مونيتور، أن الجيش الإسرائيلي هاجم أحد "مكاتب الكنيسة" التي كانت تُستخدم كملجأ للأشخاص الذين فروا من منازلهم. كما تم استخدام بعض مرافق الكنيسة كملاجئ للمدنيين في صراع غزة عام 2014.

شارك المدونون المرئيون في وصف هيكل مجمع الكنيسة. أظهر فيديو تم التقاطه في باحة الكنيسة قبل حرب 2023 مشهداً بزاوية 360 درجة للمجمع. لاحظنا "مبنى المجمع" من خلال مقارنة اللقطات هنا وفي تقرير مقابلة المطران ألكسيوس، وهو جزء من مجمع الكنيسة وكذلك المباني الأخرى. تم الحصول على هذه المعلومات من الفيديوهات المؤرشفة في صفحات الكنيسة وغيرها من صفحات العاملين في الكنيسة.

صور من جنازة في 20 أكتوبر/تشرين الأول ومراسم الدفن من داخل مجمع الكنيسة

ساعدتنا المعلومات أعلاه في الوصول إلى تأكيد للمبنى المدمر. في اللقطات أدناه، يبدو واضحاً أن الضربة وقعت بين مبنى الجمعية (العمود)، والمكتب (الذي يحمل العلم). تتفاوت درجة الأضرار بين المبنيين، حيث تعرض الأول لأضرار جسيمة ويرتكز على أحد جدران الكنيسة، والآخر تعرض لأضرار جزئية. أيضاً، تظهر الزاوية ذات الخط الأحمر على جانب الشارع في تقرير فيديو رويترز. المبنى الموجود في المنتصف مغطى جزئياً بالصفيح. يبدو هذا الصفيح منتشراً حول موقع الهجوم الموضح أدناه.

ظهر المبنى ذو الأعمدة التي قمنا بتعليمها باللون الأبيض ر في عدة مقاطع فيديو تظهر الدمار نتيجة الغارة الجوية. في الصورة أدناه، تمكنا من التأكد من أن نفس المبنى الذي تأثر بالقصف وانحنى نحو الجدار الشرقي للكنيسة هو الذي حددناه في صورة القمر الصناعي.

صور من وكالة رويترز تم مقارنتها مع صورة القمر الصناعي

صورة توضح زاوية عمق الضربة. باستخدام أداة المنقلة ginifab.om/feeds/angle-mmeasurement/ لتقديم عرض حسابي لهذه الزاوية من الموقع الذي تعرض للهجوم

قدم أحد التقارير منظراً لشارع الشيخ منصور بعد الغارة الجوية، ويظهر فيه الناس في الشارع. يُظهر التقرير قمة المبنى المغطاة بالصفيح، مما يُظهر التشابه ويتطابق مع لقطات فيديو الأقمار الصناعية الإسرائيلي المحذوف وتقرير رويترز. لمم تتعرض الأشجار الموجودة في ساحة المبنى للتدمير الكلي وبقيت ظاهرة بجوار الزاوية المحددة باللون الأحمر في الجزء العلوي من المبنى.

صور للمبنى الذي تعرض للهجوم والمحدد بإشارة X

Photo Credits: Before Image © Google/ After Image © Planet Labs PBC

29/10/2023

13/05/2022

مقارنة بين صورتين من الأقمار الصناعية توضح تأثر مبنى الكنيسة نتيجة الهجوم

المسؤولية المحتملة

أكد الجيش الإسرائيلي الهجوم على الكنيسة، ليس فقط لفظياً، ولكن أيضاً من خلال حساباته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد عدة ساعات تم إزالة التغريدةالحساب الرسمي في منصة X "تويتر سابقاً" .

قال الجيش الإسرائيلي لشبكة "سي إن إن" إن "طائرات مقاتلة تابعة للجيش الإسرائيلي قصفت مركز القيادة والسيطرة التابع لإرهابي حماس المتورط في إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون باتجاه إسرائيل". قال الجيش الإسرائيلي أيضاً إن "حماس تقوم عمدا بالاندماج في المناطق المدنية وتستخدم سكان قطاع غزة كدروع بشرية".

صور توضح ادعاء الجيش الإسرائيلي عن المبنى المستهدف (النقطة باللون الاحمر الغامق ). الصورة الأولى توضح المبنى المستهدف (دائرة باللون الاحمر ). الصورة الثانية: مئذنة المسجد ومباني الكنيسة المتضررة والمبنى الذي ادعى الجيش الإسرائيلي مهاجمته (باللون الأبيض)

صور توضح استهداف للمبنى المدمر . الصورة الأولى: المبنى المستهدف (بالخط الأزرق ). الصورة الثانية: مئذنة المسجد، ومباني الكنيسة (باللون الاحمر ) ، والمبنى الذي ادعى الجيش الإسرائيلي مهاجمته (باللون الخمري )

يبدو أن الجيش الإسرائيلي لم يُظهر التزاماً فيما يتعلق بالاحتياطات والمبادئ المنصوص عليها في اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية أماكن العبادة والأماكن الثقافية. تحظر هذه الاتفاقية أي عمل عدائي موجه ضد هذه المواقع وتؤكد أهمية حماية التراث الثقافي أثناء النزاعات المسلحة.

تنص المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، فيما يتعلق بالهجمات، على الأطراف المتحاربة:


أن يتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة عند تخير وسائل وأساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الأضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية، وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.


بعد بحثتنا في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير والشهادات المتاحة في المصادر المفتوحة، لم يعثر فريقنا على أدلة على إصدار الجيش الإسرائيلي تحذيراً للأشخاص الذين لجأوا إلى الكنيسة أو العاملين في الكنيسة قبل الهجوم، كما وجدنا أن بعض العاملين في الكنيسة قالوا إنه لم يصلهم تحذيرات.

ينص القانون الإنساني الدولي على أن جميع الأطراف المتحاربة ملزمة باتخاذ تدابير احترازية عند الإعداد وتنفيذ الهجمات لتجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية، وأنه ينبغي على الأطراف توجيه "إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك".

يبدو أن الجيش الإسرائيلي لم يلتزم باتخاذ الاحتياطات اللازمة بموجب القانون الدولي عندما هاجم كنيسة القديس برفيريوس في البلدة القديمة بغزة.